/ / علي البخيتي : قصص التعذيب والجهاز الأمني الخاص لـ انصار الله

علي البخيتي : قصص التعذيب والجهاز الأمني الخاص لـ انصار الله

قصص التعذيب التي انتشرت مؤخراً، والتي يتهم فيها الجهاز الأمني الخاص بـ"أنصار الله"، مفزعة، والصور التي تم نشرها، وآثار التعذيب واضحة في مؤخراتهم وأماكن مختلفة من أجسادهم، مخيفة، فقد تواترت الأنباء عن قيام طقم تابع لـ"أنصار الله"، باختطاف 3 من المتظاهرين، أثناء مسيرة 11 فبراير، وبعد أيام وجد الـ3 مرميين في أحد شوارع العاصمة، وتم نقلهم إلى أحد المستشفيات، وسرعان ما فارق أحدهم الحياة.


تلك القصص يجب التحقيق فيها بجدية من الأجهزة المختصة و"أنصار الله"، بحكم أنهم أصبحوا سلطة الأمر الواقع، وعليهم إما الاعتراف بأن أحداً ما في ذراعهم الأمنية الخاصة، ارتكب تلك الجرائم، وبالتالي تقديمه للمحاكمة ومحاسبته، أو نفي تلك التهم، وإدانة مرتكبيها بأشد العبارات، والعمل على التحقيق فيها بشكل جدي، وبإشراف لجنة حقوقية من شخصيات مستقلة.

سخرية بعض الناشطين من "أنصار الله"، في مواقع التواصل الاجتماعي، من مؤخرة فلان وقحصة علان، تدل على سقوطهم الأخلاقي، كما أن مقارنة البعض بين عمليات التعذيب تلك واغتيال بعض العناصر المنتمية إلى "أنصار الله"، والتساؤل: لماذا لا تتم إدانة جرائم الاغتيال من خصومهم السياسيين؟ فيه اعتراف بأن "أنصار الله" وراء تلك الجرائم الجسيمة، ومقارنتهم تلك معناها: نحن مجرمون، ولكن هناك من هو أكثر إجراماً منا.

تلك الجرائم ينبغي أن تستفز عبدالملك الحوثي شخصياً، والمجلس السياسي، وكل قياديي الحركة، فإن كان الجهاز الأمني الخاص بالحركة هو من قام بها، عليهم محاسبته وتنظيفه من هكذا عناصر إجرامية، وإقالة قيادات فيه سمحت بمثل تلك الجرائم، وإن كانت هناك جهات أخرى هي التي قامت بها، فـ"أنصار الله" معنيون بكشفها.

كما أن تلك الجرائم –في حال ثبتت مسؤولية "أنصار الله" عنها- تجعلنا نفتح ملف الجهاز الأمني الخاص بـ"أنصار الله"، والذي تم إنشاؤه أثناء الحروب الـ6، لمواجهة عملاء النظام ومن كان يطلق عليهم "المنافقون" الذين كانوا يتجسسون لصالح القوات الحكومية، ويبلغونها بأماكن تواجد قيادات الحوثيين، وأماكن الأسلحة، وتحركاتهم العسكرية. وقد حقق الجهاز الكثير من الإنجازات في الحد من استهداف الحوثيين أثناء الحروب الـ6، كما تمكن من اختراق الكثير من الوحدات العسكرية والأمنية، وتجنيد عملاء فيها، لكنه وبعد أن أصبح "أنصار الله" سلطة الأمر الواقع، بعد سيطرتهم على صنعاء ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، تحول إلى جهاز رقابة على النشاطات السياسية والإعلامية والتحركات الجماهيرية المعارضة لـ"أنصار الله" في العاصمة والمحافظات التي تحت سيطرتهم بشكل كامل، بعد أن انتهت العمليات العسكرية فيها.

ذلك التحول في المهام للجهاز الأمني الخاص ينبئ بعهد جديد من تكميم الأفواه وقمع الحريات السياسية والعامة، تحت مبرر مكافحة الدواعش والقاعدة، وإذا لم يتم حل هذا الجهاز، على الأقل في المحافظات التي انتهت فيها العمليات العسكرية، ودمجه مع الأجهزة الأمنية الرسمية، تحت بند الاستيعاب الذي نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، فإن التجاوزات والانتهاكات ستستمر، لأنه لا سلطة رقابية على عمل الجهاز، ولا يمكن محاسبة أعضائه أو متابعة أنشطته.

على "أنصار الله" أن يعرفوا أنهم السلطة الرسمية من الناحية العملية أو سلطة الأمر الواقع في تصنيف السياسة، ولا يجب أن تبقى أجهزتهم العسكرية والأمنية بمعزل عن عمليات الدمج والاستيعاب في الأجهزة الرسمية، لأن معنى ذلك أننا سنصبح أمام سلطة رسمية ممزوجة بأجهزة أمنية وعسكرية خارج سيطرة المؤسسات الرسمية وأجهزتها الرقابية والقضائية، وهذا سيجعل عمل تلك الجهات الرقابية مستحيلاً في ظل عجزها عن محاسبة انتهاكات الجهاز الأمني الخاص بالحركة. وإلى أن يتم دمج ذلك الجهاز في الأجهزة الرسمية، أقترح أن تحصر مهامه في التعامل مع المجموعات المتطرفة والأنشطة الإرهابية، ومكافحة جرائم الاغتيال، وألا يتدخل في المسائل المتعلقة بالأنشطة السياسية والمجتمعية المعارضة لـ"أنصار الله".


إن محاولة البعض من "أنصار الله" التقليل من خطورة تلك الجرائم، والتهكم على ضحاياها، ومهاجمة من يقومون بإدانتها عبر مقارنتها بجرائم داعش في سوريا والعراق، والقاعدة وأنصار الشريعة في اليمن، وتذكيرنا بعمليات الاغتيال والذبح التي تنفذها تلك المجموعات، ينم عن غباء مفرط وقلة حيلة، واعتراف مبطن بمسؤولية تيارهم السياسي عن عمليات التعذيب تلك، كما أنها مقارنة بين تيار سياسي يعبر عن مكون مهم داخل مجتمعنا، وبين مجموعات متطرفة معزولة لا تعبر إلا عن شذوذ الفكر الديني الذي تتبناه، ويفترض بـ"أنصار الله" مقارنة أنفسهم بتيارات سياسية أو حركات إسلامية محترمة كحزب الله في لبنان، أو حركة النهضة الإسلامية في تونس، وبالتالي على "أنصار الله" استنساخ تعامل حزب الله مع خصومه وجيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل "جيش العماد أنطوان لحد"، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، عام 2000، حيث لم يعتقل الحزب أو يعذب أحداً منهم، ومن كان معروفاً بانتمائه لذلك الجيش، وكان له دور مؤثر، ومتهماً بالكثير من الجرائم، كان يتم تسليمه للجيش اللبناني فوراً، مع علم حزب الله أنه سيتم إطلاق سراحهم، لكنه فضل أن يعزز نصره العسكري بنصر أخلاقي يحافظ على تماسك المجتمع اللبناني، ويعطي فرصة لعملاء إسرائيل للتوبة ومراجعة مواقفهم.
الموضوع السابق :إنتقل إلى الموضوع السابق
الموضوع التالي :إنتقل إلى الموضوع القادم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق