أصيب اليمنيون السذج حسنو النية، من أمثالي، بصدمة
كبرى خلال الأشهر القليلة الماضية، فقد رأوا الفاطميين، بل والهاشميين الزيود جميعاً،
إلا من رحم ربي، يهبون هبة رجل واحد، وينضمون إلى العصابة الحوثية، ويعملون على تقويض
أسس الجمهورية والوحدة، التي أرستها عشرات الألوف من الجماجم، وروت شجرتها دماء مئات
الآلاف من القتلى والجرحى اليمنيين، على مدى الأعوام الـ53 الماضية، وأزمنة الكفاح
التي سبقتها.
والآن فقط بدأت
أتفهم تركيز النعمان والزبيري على السلالية هدفاً لمعارضتهما ونضالهما، وكذلك تطوع
مثقفين لحراسة هذا التابو، والتابو الطائفي رغم زوال الحكم الإمامي، وكذا قيامهم على
حراسة الوطنية المؤسسة عليها، وتوجيه الاتهام بالطائفية لأدباء ومثقفين يعملون على
كسر التحريم الطائفي، وهذا لا يحمي ممارسات النظام الطائفية فقط، وإنما يقلب الواقع
لتكون إضاءة التمييز والاعتراض عليه هي الفعل الطائفي، حد تعبير ياسين الحاج، ويكمل
هؤلاء عملياً دور الأجهزة الأيديولوجية التي تعمم مفهوم الوطنية التمييزي المتكتم على
الطائفية والسلالية، ودور الأجهزة الأمنية القامعة لمن ينتهك التحريم، وهكذا انتهى
النعمان، في العهد الجمهوري، إلى المنفى منزوع الجنسية دون اعتراض، ونحن نرى اليوم
حراساً جدداً يثغثغون بالوطنية متعامين عن كل جرائم الهيمنة السلالية الطائفية.
أحزاب كانت تطرح
نفسها داعية إلى حداثة ودولة مدنية، وعصرية، كحزب الحق واتحاد القوى الشعبية، نزعت
الأقنعة وأقلعت عن الخطاب الكاذب، لتظهر بشاعتها على حقيقتها، سلالية عنصرية طائفية،
كانت متلفعة كذباً وخداعاً بجلود الحملان، وانضمت إلى الاحتلال الإيراني لليمن الذي
ينفذه الحوثي.
منذ صعود الدولة
الأموية اتخذ آل البيت اليمن ملجأً ومهرباً من حملات الاضطهاد والإبادة التي تعرضوا
لها من الأمويين والعباسيين بعدهم، فعاشوا في حماية الأعراف القبلية اليمنية التي عاملتهم
معاملة اليهود والمستضعفين المهمشين من حيث الحماية، وأصبحت أماكن سكناهم محميات تسمى
الواحدة منها هجرة، وكانت محيدة عن الصراعات القبلية.
ونظراً لواقع القبائل
المتصارعة الذي يرفض ولاية فرد من قبيلة أخرى، فقد لجأت إلى الحل الذي اتبعته قبائل
نزار لإيقاف الصراع الدموي بين بطونها، فقد "كان الحارث بن عمرو ملكاً على الحيرة،
ثم تفاسدت القبائل من نزار، فأتاه أشرافهم فقالوا: إنا في دينك ونخاف أن نتفانى. فوجه
معنا بنيك ينزلون فينا فيكفون بعضنا عن بعض، ففرق ولده في قبائل العرب، وملك ابنه حجراً
على بني أسد وغطفان، وملك ابنه شرحبيل على بكر بأسرها وبني حنظلة والرباب، وملك ابنه
معد يكرب على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة ودارم والصنائع، وابنه عبدالله
على عبدالقيس، وابنه سلمة على قيس" (أيام العرب في الجاهلية ص112 مكتبة الرياض
الحديثة)، والحارث هذا هو جد امرئ القيس الشاعر وهو من اليمن، فرأى اليمنيون في هذا
الحل معالجة معقولة لمسألة الصراعات القبلية، وأخذوا في مبايعة آل البيت أئمة يحكمون.
استمر رجال آل البيت
يحكمون اليمن حتى قيام الجمهورية اليمنية سنة 1382هـ 1962، على أنقاض المملكة المتوكلية
اليمنية، أي قبل 53 سنة فقط من الآن، وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت، حيث
دامت 11 قرناً بين تمدد وتقلص، من بداية حكم الهادي 284هـ وحتى قيام الثورة وسقوط الحكم
الإمامي الملكي سنة1382هـ، وقد اعتمدوا في حكمهم سياسة فرق تسد وضربوا القبائل ببعضها
لإخضاعها وإذلالها، وتعمدوا إهانة اليمنيين وتحقيرهم، حيث فرضوا عليهم تقبيل ركبهم
وأقدامهم، وكان تطلع أي يمني كائناً من كان إلى الزواج من هاشمية جريمة نكراء في عرفهم،
فكيف له أن يجرؤ على التفكير في تفخذ الهاشميات، وكانوا يمنعون اليمنيين حتى من اقتناء
الجياد الأصيلة "راجع مذكرات سنان أبو لحوم"، واستعملوا معهم سياسة الإفقار
والإذلال، فاحتكروا التجارة، ومنعوا الصناعة والتعليم، وسلطوا عليهم زبانيتهم لابتزازهم
ونهب أموالهم بمبررات شتى.
وقد شكّلت الثورة
اليمنية التي أنقذت اليمنيين من الذل والمسكنة والفقر والجهل والمرض، ضربة كبيرة للزيدية
في اليمن، ذلك أنها أنهت حكم الأئمة الزيدية الذي استمر حوالي 1100سنة، وخلالها كان
آل البيت "السادة" يتمتعون بنفوذ قوي وسلطة وتأثير على العوام، بحكم إشاعتهم
الجهل، ونشرهم الخرافات، عن مزاياهم العلاجية، كما لو كانوا صيدليات متحركة تنشر التمائم
والبصاق، وبركاتهم الدينية في الدنيا والشفاعية في الآخرة، ولكنها كلها سرعان ما تلاشت
مع قدوم الثورة وإنهائها للنظام الزيدي الذي كانت تصفه بـ"الكهنوتي".
وعلى الرغم من أن
معظم الرؤساء الذين حكموا اليمن في العهد الجمهوري 1962، ينتمون إلى المذهب الزيدي
بالولادة، إلا أنهم لم يكونوا متحمسين لنشر مذهبهم، حيث أنهم كانوا يسعون إلى القضاء
على جميع مخلفات النظام السابق، الذي أذاق اليمنيين الأمرين.
وحيث كان الحكام
السابقون الذين ينتمون إلى آل البيت هم أعلام المذهب الزيدي، فقد صار الكثير من الموالين
المتعصبين للمذهب الزيدي يخفون انتماءهم إليه خشية أن تصيبهم لعنة الثورة.
ولكن يبدو أن لعنة
من نوع آخر قد أصابت اليمنيين هذه الأيام، فوقعوا مرة أخرى فريسة للأوغاد شذاذ الآفاق،
المؤيدين من إيران، التي جعلت منهم مخلب قط لأطماعها وسياساتها.
إن على اليمنيين
أن يسارعوا إلى الدفع عن أنفسهم وأهلهم المصير الرهيب الذي ينتظرهم تحت نير الكهنوت
الفاطمي الزيدي، وممارساته اللاإنسانية، وأن يقاوموا هذه الهيمنة المؤيدة من إيران
بكل ما أوتوا من قوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق